البيات الشتوي
تلجأ بعض الحيوانات بحكم الطبيعة إلى النوم لشهور طويلة محتضنة بعضها البعض لتستمد الدفء والتواصل بالحياة مثلها مثل حبة الحنطة التي تظهر كما لو كانت ماتت أو في غيبوبة ففي ذاتها حياة رغم ظهور ملامح الموت عليها، وأيضاً تتغير ألوانها حتى لا تكون فريسة واضحة للحيوانات الأخرى، فتنام في سلام ولا يعكر صفوها شيء.
فالدب تحميه تلك الطبقة السميكة من الدهن والفرو ليتغذى في ذاته من هذه المواد، والعديد من الزهور والنباتات تضم أوراقها وبتلاتها لتقلل من عملية النتح أو التبخر في الجو الحار أو الاحتفاظ بالحرارة داخلها في الأجواء الباردة القارصة.
ولكن ماذا عننا نحن البشر؟ نحن أحياناً ما نحتاج ونلجأ إلى البيات الشتوي، فهل صادفك مرة أنك لا تريد أن تتحدث أو تتعامل مع أحد لفترة من الزمن ولا تريد الخروج حتى للشارع برهة من الوقت؟ تنغلق على ذاتك لتجيب بعض التساؤلات المحيرة، هل شعرت في فترة أنك لا تريد النظر في وجه بعض من تتعامل معهم؟
هذه الأعراض ليست مرضية ولكنها أعراض أطلق عليها البيات الشتوي؛ نعم نحتاج لتجديد قوانا أن ننعزل بعض الوقت – ولكن لا تدعه يطول– حتى تتمكن من متابعة المسير والكد والتعب في الصيف لتختزن منه ما قد تحتاجه في موسم الشتاء؛ فمن يعتني بهذه الحيوانات في بياتها الشتوي؟ في (متي 6: 25 – 34) يقول ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له كل المجد: "انظروا إلى طيور السماء؛ أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم افضل منها؟ فان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فليس بالأحرى جداً يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟ ".
هل عزيزي القارئ تحب أن يطلق عليك الرب لقب قليل الإيمان؟ فالرب يسوع يؤكد اننا أفضل من عصافير كثيرة. كما وقد امرنا أيضاً بالبيات الشتوي بقوله أعملوا للطعام الباقي؛ اكنزوا كنزاً في السماء.
وحذرنا من محبة المال وعبادته بقوله في (متي 6: 19 - 21): "لا تكنزوا لكم كنوزاً علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً، حيث يجبرك العالم علي عدم الاكتفاء ويشعرك دائماً بالاحتياج، عكس الرب الذي دائماً ما يؤكد بقوله "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" (2 كورنثوس 12: 9).
يكفيك ما عندك لأنه قال لا أهملك ولا أتركك، وكاتب العبرانيين قال: "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال، كونوا مكتفين بما عندكم، لأن الرب وعد:" لا أهملك ولا أتركك"(عبرانيين 13: 5)؛ فقانون الاكتفاء والرضا هو قانون الرب وليس قانون العالم الذي يشعرك إلى أنك دائماً فقير وتحتاج الأكثر والأفضل لأنك تستحق هذا.
وهنا يعلن العالم بطريقة غير مباشرة خطأ فادح في حق الرب الإله الذي يوعدك دائماً بالبركة والغني والكثرة، فكما لو كان يضع الرب في ركن يثبت عدم أمانته. دعني أسألك هل تحتاج إلى بيات شتوي لتجدد قواك وتسعي نحو الهدف؟ هل تعمل وتعمل وتعمل لتستنزف قواك ولكن باطل الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس؛ حيث ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه هل نفسك مرتاحة في الرب ساكنة في البيات الشتوي؟
قديماً أمر الرب شعبه قائلاً: " بالهدوء والسكينة تكون قوتكم، لأن فرح الرب هو قوتكم؛ والآن ماذا عنك؟ هل اختبرت سلام الرب في وسط ما تمر به؟ هل اختبرت أن تنام في حضنه ساكناً مطمئناً كما لو كنت في بيات شتوي تلتمس الدفيء والشبع والسلام منه لتستمع لضربات قلبه وتردد أنفاسه. أن كنت لم تختبر صلاح الرب حتى الآن أدعوك لإعادة الحسابات لأن الشتاء القارص على الأبواب والرب يسوع نفسه يحذرنا من أن يكون هربنا في شتاء وأعتقد أن من يعيشون بكندا يفهمون معني الشتاء على حقيقته بكل أبعاده وجوانبه.