في القدر...موت
"فِي الْقِدْرِ مَوْتٌ يَا رَجُلَ اللهِ!". وَلَمْ.... يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَأْكُلُوا. (الملوك الثاني ٤: ٤٠)
في القدر موت يا رجل الله! قصة يسردها سفر الملوك الثاني عن رجل الله اليشع عندما رجع من الجلجال وذهب رجل يلتقط نبات القثاء البري وهو الحنضل وبه مواد تكاد تكون سامة، تؤدي إلى مغص وقيء شديد.
فصرخ واحد لرجل الله آليشع، قائلا في القدر موت يا رجل الله، انه صوت لكل منا عندما تدخل داخلنا، نحن القدر، عبادات نلتقطها من العالم عن علم أو بدون علم ونصبها داخلنا ونعطيها المجال أن تختلط بكياننا.
مع اختلاط الثمين والمرذول يختلط الأمر علينا ويخيل لنا أنه عادي وتطفو على السطح كلمات هزليه مثل نحن بشر، كلنا ضعف، ونستخدم كلمات الكتاب المقدس لنرثي أنفسنا ونحنو على الصنم الذي بداخلنا وهو الشفقة على النفس!! لكن لابد من صرخة مدوية تأتي سواء من بعيد أو من داخل كل منا.. صرخة تدوي وتقول "في القدر موت يا رجل الله".
إن أكبر موت داخلنا مازال عائق بيننا وبين انطلاق أرواحنا لتتحد وتعبد الرب بحرية، انه الأنا، نعم الأنا، الذات التي نغذي فيها مما نلتقطه من العالم، نغذي فيها الكبرياء والانتفاخ على الآخرين ويا حبذا ممن يختلفون معنا في العقيدة أو الإيمان أو الرأي، والأفضلية على الآخرين!! ونحن ندعي عكس ما نبطن.. ندعي المحبة والإيمان.. ندعي أننا نمتلك الحق كاملاً، ندعي إن من يختلف معي فهو ضدي على طول الخط حتى لو كان المختلف معي لا يضرني شيئا وبهذا نسلك عكس كلمة الله التي تقول "لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا".مرقس ٩: ٤٠
نعم نغذي في ذواتنا الأفضلية عن الآخر، نغذي الأنا فينا على حساب كلمة الإنجيل سواء أدركنا أو لم ندرك، النتيجة واحدة، جهلنا بالأمر لا يبررنا بل بالعكس، الجهل حماقة أكثر من الفعل نفسه، فإن كنا نجهل أن الأنا هي أكبر عائق وصنم ووثن حذر منه الرب يسوع نفسه قائلا "فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا". مرقس ٨: ٣٥
بالطبع الرب هنا لا يريد أن نكره أنفسنا أو نبغضها وألا نصير عندنا انفصام في الشخصية، لكنها الأنا، الذات المنتفخة التي تلتقط صورا ومناظر من الخارج والداخل وتتغذي عليها وتتحول داخلنا إلى موت يكاد يفتك بنا.
مازال داخلي الكثير لأتكلم عن الموت الذي يملأ حياتنا، ولن أعطي لنفسي الحق كاملاً أن أتكلم عن أسلوب العبادة أو الجمود والرتابة والروتينية التي أصبحت السمة السائدة في عبادتنا الشكلية، وهنا لا أتكلم عن كنيسة بعينها ولا طائفة بعينها ولكن أتكلم في العموم للكل، و كما قال الكتاب المقدس "لا احد يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه"، هكذا لا احد له الحق أن يحكم على احد ولا هنا أشير بدينونة ولا شكاية على احد ولكن أطلق صوت بوق في فضاء عبادتنا لله الحي لعل وعسى أن تكون نوبة استيقاظ للجميع، فالله روح و من يريد أن يسجد أو يعبد الرب لا في هذا الجبل أو تلك ولكن بما أن الله روح فلن تستطيع أن تلتقي به إلا من خلال العبادة بالروح وحيث روح الله فلا صنمية في العبادة.
لقد وصف يهوذا في رسالته هذه الحالة وهؤلاء الأشخاص وقال "هؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعًا بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ". (يهوذا ١: ١٢)
ولكن أين المفر؟! أن كانت القدر امتلأت بالسم أو بالموت واستبدلنا الحياة المعروضة لنا في المسيح، امتلأت قدورنا بالدينونة للآخرين بدلاً من أن نتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا من الرب نفسه أن نخلص على كل حال قوم، أن كانت امتلأت قدورنا بالتشرذم حول الأنا والفضيلة التي انتمي إليها والطائفة التي ولدت فيها ونسيت كلمة الوعظ التي تقول إن الله أحب خطأة العالم جميعاً وأرسل ابنه ليخلص الخطأة الذين أولهم انا وإن الله ارسل ابنه إلى العالم (مش لحضرتك فقط) لا لكي يدين العالم بل ليخلص به العالم.
اترك المتكأ الأولى وخذ خطوات للخلف مع واضعه الفلسين في الصندوق لتنال نظرة وتكريم من حبيب النفس يسوع، تذكر أن كثيرين كانوا يزحموا يسوع على الطريق لكنهم لم ينالوا ما نالته نازفة الدم، فهي جاءت له بعدم استحقاق بلا انتفاخ على الآخرين. فاغتصبت ما لم يستطع الجالسين على كرسي موسي أن ينالوه... يسوع حبيب نفسي.