رسالة عزاء
لكل الأباء الذين عاشوا التجربة القاسية للفقدان المبكر لأحد الأبناء الأحباء:
حدث في يوم الجمعة العظيمة الماضية - ولا أتصور أن ذلك كان من قبيل المصادفة - أن رحلت عنا وعن خالتي ابنتها الحبيبة؛ وكانت ابنة خالتي بالحقيقة إنسانة بارة جدا عاشت كل حياتها في المسيح وللمسيح؛ حتى إنها في اللحظات الأخيرة وقبيل وضعها على جهاز التنفس الصناعي كتبت ورقة - وحيث كانت لا تستطيع الكلام لوجود ماسك الأوكسجين تحت ضغط على وجهها - وقد طلبت فيها من الآباء الكهنة الصلاة لأجل مرضى تعرفهم ولما سألناها لماذا لم تتضمن الورقة اسمك؟ أجابت بالكتابة لان هؤلاء المرضي أكثر احتياجا للشفاء مني.
وقد تألمت جدا لحزن خالتي الشديد علي رحيل ابنتها في هذا العمر المبكر خاصة وان خالتي كانت قد فقدت زوجها أيضا في ريعان شبابه ولكن يبقي فقدان الأبناء هو الأصعب.
فقلت لخالتي لم يكن اختيار المسيح ليوم رحيل ابنتك وهو يوم لجمعة العظيمة أبدا من قبيل المصادفة وأكملت لعزائها ما سجلته في مقالة اليوم لعزاء كل من فقد مبكرا ابنا حبيبا.
في قصة الفداء للسيد المسيح بالصلب يوجد شقان:
١- شق لاهوتي ظاهر نعرفه جميعا، وهو عمل النعمة بالفداء لموازنة عدل الله الأب مع رحمته من أجل تدبير قصة الخلاص للإنسان.
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16).
٢- ولكن يوجد شق أخر ناسوتي (بشري) غالبا ما نغفله رغم الرسالة الهامة جدا التي يحملها وهي: العزاء الذي يقدمه الله لنا في الفقدان المبكر وغير المبرر للأبناء الأبرار في حياة والديهم وبطرق صعبة.
فقد فقدت العذراء مريم
- ابنها الوحيد الذي تهيم به حبا.
- عائلها وحيث لا يوجد زوج.
- في أصعب عمر لفقدان الأبناء أي في ريعان الشباب 33 عاما
- وهو أبن صالح بار بلا خطية أو خطأ "يستحق عليه أي عقاب" مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟
- وبأبشع طريقة للموت حيث عذبه بيلاطس أولا أملا في أن يطلقه لأنه لم يجد فيه علة، ولكنه اضطر بعد ذلك لصلبه لإصرار اليهود (فقد عذب عذابا شديدا ثم مات بأبشع طرق القتل في وقتها وهي الصلب).
في الخلاصة: كان الشق والدرس الناسوتي هو شق العزاء للفقدان المبكر للأحباء خاصة الشق الأصعب منه وهو فقدان الآباء للأبناء. فقد فقدت الأم (السيدة العذراء مريم وهي أكثر القديسين تقديسا منا) لابنها الحبيب الوحيد البار في ريعان الشباب وبهذه الطريقة البشعة حتى إنها فالت لتعبر عن شدة وعنف التجربة "قد جاز في نفسي سيف " .
فالدرس الناسوتي الذي قصده الوحي الإلهي كان هو رسالة عزاء للآباء في أصعب طرق فقدان الأبناء الأحباء وهو
الفقدان المبكر للأم خاصة لأبنائها الأحباء الأبرار وبطريقة صعبة.
فلا يوجد أم أفضل من القديسة العذراء مريم ولا يوجد ابن أفضل من السيد المسيح ورغم ذلك سمح الله الأب لهما بخوض هذه التجربة القاسية جدا.
إله التعزيات يعزي كل من فقد حبيبا وبالأخص الآباء وخاصة الأمهات في الفقدان المبكر لأبنائهم.