معضلة الشر والألم (2)
بدأنا بنعمة الرب من العدد السابق بعض المناوشات الفكرية وطرحنا بعض الأفكار بخصوص معضلة الشر والالم. وفي هذا المقال سأطرح سؤالا فكريا فلسفيا بخصوص الألم. والسؤال الذي أود طرحه هو هل من فائدة للألم؟ هل من أهمية لوجود الألم في حياة الإنسان؟
أبدع فيليب يانسي في كتابه الرائع "أين الله في وقت الألم؟" حينما تطرق إلى أهمية ووجود الألم في حياة الإنسان. سأل الكاتب عن كيفية خلق الألم لكي يتم وقفه. فلماذا يوجد او يخلق الله الألم، بحسب تعبير الكاتب، ثم يقوم الله بوقف الألم. أجاب يانسي على هذا السؤال باصطحابه للقارئ إلى معسكر للجذام. فمرض الجذام هو مرض جلدي معدي يظهر على شكل تقرحات جلدية شديدة تتفاقم لتسبب تلف في الأعصاب في الذراعين والساقين ومناطق الجلد حول الجسم بالإضافة إلى ضعف العضلات. كذلك يحدث تلف بالأعصاب الطرفية فيصبح المريض غير قادرا على الشعور بأطرافه بتاتا مما يؤدي إلى إيذاء نفسه سواء بالحروق، الجروح وحتى بتر الأطراف. إذا فمريض الجذام لا يشعر بالألم فيفقد أعضاؤه ويفقد أطرافه وللأسف لا يشعر بهذا لأن لديه عيبا في نظام الألم الخاص به فلا يشعربالجروح والتقيحات، وتنكسر أصابعه ويسير حافيا على الزجاج المتناثر وهو لا يدري، فيبدأ بفقد اطرافه واصابع قدميه وهو لا يشعر لأنه لا يتألم.
تخيل معي عزيزي القاريء هذا الألم الصامت. هذا الألم الهاديء جدا، فيه يفقد المرء اطرافه وهو لا يشعر ولا يدري إلا حينما يرى أحد أصابعه ملقي على الأرض. أليس هذا جحيما بلا ألم؟ فما أقسى الجحيم وما ينتظر الإنسان الذي يقضي بقية عمره يعاني فيه من ألم او من عذاب حقيقي ولكني لا أعتقد أنه يقارن بهذا المرض اللعين او هذا العيب فهو جحيما في حد ذاته ولكنه جحيما صامتا.
ما أروعك ايها الألم! انني الآن يتملكني الاحساس بالامتنان للألم. فقد تحول هذا العدو إلى الصديق الوفي مدركا قيمته في الحياة. فالألم يشعرني انني مازلت حيا بل انني أستطيع ان أواجه مخاطر الحياة لأنني أتألم فأشعر بألآمي وابحث لها عن حلا وعلاجا قبل أن تتفاقم. بل وان نعمة الألم تجعلني قادرا على الشعور أيضا بآلام الآخر. فلن أستطيع أن أواجه تحديات الحياة دون الما.
شكرا للرب على هذه العطية بل وهذه الهبة أيضا التي تعطي معني للحياة وتهبني قوة لكي تدفعني خارج ذاتي لكي أشارك الآخر الآمه. فلا تغضب او تحزن عزيزي القاريء ولا تحاول أن تتذمر من وجود الآلم بل اقبله صديقا وفيا واسمع صوته، فصمت الألم جحيما لا يطاق.