حينما تجمح الشعوب (٢)
تكلمنا في العدد السابق عن فكرة الحرب الروحية وأوضحنا أن ما يحدث في العالم الآن بل ومنذ بدء الخليقة من صراعات ما هو إلا تأكيدا على هذا المبدأ الإنجيلي وهو اننا في حالة حرب روحية مع أجناد الشرالسماوية، وبالرغم من هذا فالنصرة مضمونة لأن المسيح انتصر لنا وبنا وفينا، فقد كانت البشرية فيه حينما جربه إبليس على الجبل وقدم المسيح النصرة لحسابنا. في هذا المقال سنتكلم بنعمة الرب علي بعض الأسلحة التي نجوز بها هذه الحروب الروحية مع ابليس وملائكته.
إن هدف ابليس الأول والأعظم بل والأهم هو السيطرة علي ذهن الإنسان. فليس الهدف فقط هو أن يخطيء الإنسان ولكن ان يملك ابليس علي ذهنه ويسيطر عليه. لذلك أعلن بولس الرسول أن بداية تغيير الإنسان تأتي من عند الذهن، فيكتب لأهل رومية : " وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ" (رومية ١٢: ٢). فنقطة الإنطلاق في رحلة التغيير تبدأ من الذهن.
حينما اعطي بولس الرسول تعريفات للإيمان قال: "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (العبرانيين ١١: ١). فهل هناك علاقة بين الإيمان والرجاء ؟ نعم فالتعريف يؤكد أن الإيمان هو ان يكون لنا اليقين بأن ما نرجوه سوف يتحقق.. فالرجاء يسبق الإيمان.. ففي البداية يكون لنا الرجاء بأن الوعد سيتحقق ثم بعد ذلك يكون لنا الإيمان بأنه حتما سيتحقق. إن الرجاء والأيمان هما لحماية الإنسان في حروبه الكثيرة مع ابليس، ويؤكد بولس الرسول علي هذا المعني في رسالته إلى تسالونيكي: "وَأَمَّا نَحْنُ الَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ. " (١ تسالونيكي ٥: ٨). هوذا سلاحان للمؤمن فالإيمان هو الدرع .. والرجاء بالخلاص هو الخوذة.
الدرع يستخدم لحماية صدر الإنسان ولاسيما قلبه..اما الخوذة فهي لحماية الرأس. فالإيمان سلاح دفاعي للقلب والرجاء سلاح يدافع به الإنسان عن ذهنه.
عزيزي القاريء أنت لك قلب وذهن، بالطبع ليس المقصود بالفلب تلك العضلة الهامة التي تضخ الدم داخل الجسم... فقلبك هو أهم جزء فيك.. هو انسانك الباطني الداخلي اي روحك. اما ذهنك فهو عقلك وطريقة تفكيرك و ثقافتك ونظرتك للأمور. حينما يكلم الله الإنسان ويعلن له عن مقاصده من خلال الكتاب المقدس فالكلمة لا تتجه مباشرة إلى القلب (الروح) .. انها تمكث اولا في الذهن قبل القلب، مثلما يمكث الطعام في الفم قبل أن يذهب الي المعدة. فالذهن له الرجاء أن يتوقع عمل الله اما الإيمان فله الثقة واليقين بل ويري الامور التي لا تري.
إن كان الذهن هو ارض المعركة مع ابليس وإن سلاح الذهن هو الرجاء في الرب يسوع وفي نصرته ، فهيهات أن نمتلك هذا السلاح ونسيطر علي هذه المعارك الضارية بدون أن نتعامل بجدية ونشاط وبإلتزام مع ما يبطن هذا الذهن بالرجاء، اقصد التعامل مع كلمة الله. متي تكون طريقة تفكير الإنسان وأسلوب حياته وثقافته مستمدة من الإنجيل؟ متي يكون ويشكل الإنجيل أذهاننا ويملأ كل ثنايا عقولنا بإعلانات الله وبأنفاسه؟
أدعوك عزيزي القاريء أن تعيد تبطين وتكوين وتشكيل عقلك بكلمة الله لكي تستطيع أن تستخدم الأسلحة الأخري التي ستعطينا القدرة على الهجوم على إبليس في عقر داره والانتصار عليه، نعم سنهجم على إبليس وننتصر عليه فأسلحتنا ليست دفاعية فقط.... وهذا ما سنراه في العدد القادم إن أحبت نعمة الرب و عشنا.