غضب الشباب يتصاعد بتونس.. فهل يتكرر سيناريو ”ثورة الياسمين”؟ بطرس غالي من «الدفاتر القديمة» إلى المشهد الاقتصادي المصري التوتر مستمر مع مصر.. إثيوبيا تصعد بتحرك عسكري جديد في الصومال مرض أسوان الغامض.. تضارب في أرقام وزير الصحة ورئيس الوزراء.. والمحافظ: الأمور تحت السيطرة تعديلات على إجراءات منح الإقامة الدائمة في كندا إهانات بين بوليفير وسينغ في البرلمان ترودو يعين أنيتا أناند وزيرة للنقل المحافظون يفوزون بانتخابات شرق أونتاريو اعتماد تقنية أمنية جديدة في مطارات كندا ارتفاع معدلات الجريمة في أكبر مدن كندا خرافة التيجاني والعقل البتنجاني هل يحسم اليهود والمال والإجهاض سباق الرئاسة بين ترامب وهاريس؟

خواطر مسافر إلى النور (٢١٧):

الوصية ... الخطية: ”فِعل” بينما الله ... الشيطان ... الإنسان: ”كيان”

الالتزام بالوصية أو الخضوع للخطية كلاهما ليس له كيان أو وجود، بل هو قانون تطيعه فتعمل خيراً أو شراً. أما الله والشيطان فكلاهما كيان له وجود. والإنسان أيضاً كيان يمكنه أن يتبع قانون الوصية أو الخطية فيعمل خيراً أو شراً.

الانتماء إلي الله وسكناه في كيانك ينتج عنه طاعة قانونه. أما فعل الخطية فهو تغرُّب عن الله وانتماء للشيطان، ويؤدي إلى سيطرة الشيطان على كيان الإنسان.

كيان الله هو مصدر الحرية وعكسه الشيطان. لذلك سكني الله في القلب ليس عبودية بل شركة كيان بين الله والإنسان. ليس كذلك الشيطان، فدخوله القلب ليس شركة بل عبودية وسيطرة على كيان الإنسان بحيث يصير مستعبداً لعمل الشر:

"حينما أريد أن أفعل الحسنى أجد أن الشر حاضر عندي" (رو٢١:٧)

فالشيطان يسكن كيان الإنسان ويستعبده نفساً وجسداً في فعل الخطية، بينما روح الإنسان التي على صورة الله بحسب خلقتها فإنها تشتاق إلي عمل الخير بلا جدوى "فالآن لست بعد أفعل ذلك، بل الخطية الساكنة فيَّ" (رومية ١٧:٧).

صار كيان الإنسان مستعبَداً لكيان الشيطان، فصار سلوك الإنسان شريراً "فإني أعلم أنه ليس ساكن في، أي في جسدي، شيء صالح." (رو١٨:٧)، وأصبح الشيطان مصدر الشر داخل الإنسان : ” الذي يخرج من الإنسان، ذلك ينجس الإنسان . لأنه من الداخل، من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة، زني، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان“ (مرقس ٢٠:٧).

بينما الأصل أن الله أعطي الإنسان السلطان علي السماء والأرض وما فيها إذ جعله كاهناً لله عليها بسلطان الروح القدس الذي نفخه في أنف آدم حين خلقه ”وقال الله نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا ، فيتسلطون عليعلي كل الأرض“ (تكوين ٢٦:١).

وبالغواية أخضع الشيطانُ آدمَ لسلطانه بالخطية وأغتصب منه رئاسة العالم” لأن العالم قد وُضِعَ في الشرير“ وآدم هو الذي وضعه.

ولقد فضح المسيح له المجد حقيقة الشيطان أنه سارق ولص وكذاب عندما أدَّعي الشيطان أنه الرئيس الحقيقي لهذا العالم:

” ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. وقال له إبليس: «لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إلي قد دُفِعَ، وأنا أعطيه لمن أريد. فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع». فأجابه يسوع وقال: «اذهب يا شيطان“ (لوقا ٤)

على الصليب جرد الرب الشيطان من كل سلطان أغتصبه من الإنسان. هذا هو سبب تعبير ”رئاسات وسلاطين“ كإشارة للشيطان وأعوانه في كولوسي١٥:٢ ” إذ جرَّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافراً بهم فيه (أي في الصليب)“. فطرده من كيان الإنسان وعاد الرب إلي موضع راحته بقلب الإنسان، وسكب فيه روحه القدوس.

لقد أعاد المسيح السلطان للإنسان، أولاً من خلال ناسوت الرب ”أبن الإنسان“ ، ثم المؤمنين به:

” فتقدم يسوع وكلمهم قائلا: «دُفِعَ إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر». آمين.( متي ٢٨).

فماذا عن دور العهد القديم؟

إن العهد القديم قدَّم لنا البدايات: كيف خلق الله الإنسان علي صورته لا يسكنه شر . فوضع فيه روحه القدوس ونفخه في أنف آدم ليعينه علي أن يختار بحرية إرادته أن يستمر في حياة القداسة التي هي حياة الله نفسه وبالتالي يكون له الخلود والحياة الأبدية التي لطبيعة الله وليس غيره. وهذا كان ولازال الهدف النهائي لخلق الله للإنسان، أي ” الشركة في الطبيعة الإلهية“ التي هي القداسة والخلود .

ثم وصف لنا العهد القديم سقوط الإنسان بغواية الشيطان عندما فعل الخطية التي هي فعل تعدي لمشورة / وصية الله الصالحة. وأدي سقوط الإنسان إلي تغرُّب الإنسان عن الله، انفصل آدم عن قداسة الله وفارقه روح الله القدوس. فدخل الشيطان وسكن كيانه .. هذا ما يسميه الكتاب المقدس دخول الموت إلي كيان الإنسان . ونصلي في القداس قائلين ” والموت الذي دخل إلي العالم بحسد أبليس هدمته بظهورك المحيي الذي لإبنك الوحيد يسوع المسيح “. هذا نسميه فساد الطبيعة البشرية. والفساد في معناه الدقيق هو العدم. وأرتباط الفساد بالموت هو أن إنفصال الإنسان عن حياة الله (= الموت) يعود بالإنسان- المخلوق من العدم -إلي أصله وهو العدم. لذلك فإن الخطية أدت إلي الموت الذي نهايته العدم .

نعلم أن العهد القديم يقوم علي الشريعة / الناموس (أسفار موسي الخمسة). فالشريعة قانون يوصي بعدم التعدي أي عدم فعل الشر ” أفعل ولا تفعل“… أما العهد الجديد فيقوم علي شخص المسيح . …والمسيح كيان موجود ” الله الذي ظهر في الجسد“ (١تيموثاؤس ١٦:٣) ودعوته كانت ولا تزال هي قبول شخصه والاتحاد بحياته ” أكون أو لا أكون“ ( أي أتحادي بالمسيح روحاً ونفساً وجسداً). لذلك أوضح الكتاب أن لا خلاص للإنسان من خلال طاعة الناموس وإلا فلماذا تجسد المسيح؟ : ” لست أُبطِل نعمة الله . لأنه إن كان بالناموس برٌّ ، فالمسيح إذاً مات بلا سبب“ ( غلاطية ٢١:٢).

الناموس فضح الخطية ولكنه لم يبيدها .

فالشريعة موجهة للإنسان ” أن يفعل أو لا يفعل“… وليس ” أكون أو لا أكون“ .

الشريعة قانون ليس له سلطة التنفيذ بتحرير كيان الإنسان من اغتصاب الشيطان لملكية ليست له بل الله. فكيان الإنسان أصلاً هو مسكن لروح الله. ومهما تشتاق روح الإنسان إلى أصل انتمائها بأن تميل إلي الناموس الروحي، إلا أن هذا لا يعدو أن يكون اشتياقا وليس نزع ملكية. هذا تبينه الآية: ” إننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية” ( رومية ١٤:٧) إذ أن ملكية كيان الإنسان صارت تحت الخطية علي الرغم من اشتياقات الإنسان الصالحة بفعل ناموس موسي . ويتضح هذا الوضع أن كيان الإنسان صار مغتَصَباً بروح نجس وليس كما كان بيتا لروح الله:

” إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء، يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغا مكنوسا مزينا. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أخر أشر منه، فتدخل وتسكن هناك، فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله. هكذا يكون أيضا لهذا الجيل الشرير».( متي ٤٣:١٢).

فالقانون يُصدِر حكماً فقط، أما الكيان هو الذي يَطرد كيان المغتصِب. هذا ما أوضحه الرب أن الخلاص هو بالمسيح وليس آخر سواه حتي لو كانت شريعة موسي :

”أم كيف يستطيع أحد (المسيح/ الله الظاهر في الجسد) أن يدخل بيت القوي (الشيطان) وينهب أمتعته، إن لم يربط القوي أولا، وحينئذ ينهب بيته (كيان الإنسان)؟ ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله“ (متي ١٢ : ٢٩ / ٢٨) .

وفي مثل السامري الصالح (لوقا ١٠) أعلن الرب ما كرره سابقاً أنه لا خلاص للإنسان إلا بالمسيح يسوع وحده لا سواه. وأوضح أيضاً انتهاء دور العهد القديم كما رمز إليه الكاهن واللاوي، إذ جاز كلٌ منهما دون قدرة علي إنقاذ الإنسان المجروح (البشرية) بأيدي اللصوص ( الشيطان ) ، بل ظل مُلقَي علي الطريق بين الحياة و الموت بلا رجاء في الخلاص من هذا المصير الذي نتج بسبب تغرَّبه عن النعمة والحياة في ” أورشليم“ مدينة الملك العظيم بنزوله بإرادته إلي مدينة ”أريحا“ رمز السقوط ( منذ أن هدم الله أسوارها أيام راحاب ( عبرانيين ٣٠:١١).

أما السامري الصالح (يسوع المسيح … الله الذي ظهر في الجسد) فقد تحنن وأنقذ الإنسان من الموت، ودخل به إلي مجال الحياة بأن صبَّ عليه الزيت والخمر (الروح القدس في المعمودية والميرون / الإفخارستيا). ثم أتي به إلي الفندق (الكنيسة) لرعايته، ووظَّف صاحب الفندق (خدام الكنيسة والأكليروس) لخدمته وأعطاه الدينارين (مواهب الروح القدس في الخدمة) .

وتجدر الإشارة هنا أن الزيت والخمر الذي هو الأساس في خلاص البشرية من شفاء وغفران ودعوة للحياة، كان مباشرة مِن السامري الصالح (الرب يسوع المسيح). فالخلاص هو أمر مباشِر إلهي من المسيح وبينك. و لا يعتمد بالضرورة علي صاحب الفندق، إذ لا تحكُم عليه من بشر ولا يمنعه بشر سواء رئاسات كنسية أو أكليروس، بل هم كلهم خدام لأسرار خلاص المسيح تلك.. والسُبح لله .