الخروج من القمقم
سي اس لويس هو كاتب وباحث أيرلندي ولد سنة ١٨٩٨ وتوفي في منتصف القرن العشرين في عام ١٩٦٣. تأثر الكثيرين بأسلوبه الراقي والعميق، فقد تنوعت كتاباته ما بين الأدب والفلسفة والعقيدة واللاهوت المسيحي، بالإضافة إلى براعته في التحدث إلى الأطفال وتشهد على ذلك سلسلة نارنيا وهي سلسلة شهيرة جدا تحتوي على قصص من وحي الخيال تجذب الأطفال والكبار أيضا. سأحاول في هذا المقال أن أسلط الضوء على هذا الرجل الذي غير وشكل عقول الكثيرين من خلال موهبة الكتابة التي أبدع من خلالها.
في شرحه لموضوع السماء والجحيم، يبدع سي اس لويس في المقارنة بينهما، فهما واقعين ليسا متساويين ومضادين. فالجحيم من وجهة نظر لويس، صغير جدا وهو في حجم الحصاة بل أصغر من ذرة. كذلك الجحيم لا يعامل كأنه عقوبة مفروضة بل هو نتيجة طبيعية لاختيارات الإنسان. كذلك يأتي الجحيم كنهاية لقصة الإنسان بينما تأتي السماء كبداية لحياة أعمق وأوضح.
الجحيم عند لويس يختلف عن الجحيم في الواقع الذي تعودنا أن نتصوره أو نتخيله، فلم يتطرق أحد على المستوي الروحي أو الإجتماعي علي طرح فكرة ضآلة الجحيم. بل بالعكس، يعتقد الكثيرين أن الجحيم مساو للسماء باعتباره انه أحد الخيارين، فإما تنتهي حياة الإنسان فيكون مصيره السماء او الجحيم. فإتخذ الجحيم ضمنيا وضعا مساويا للسماء.
في الكثير من المجتمعات وخصوصا في المهجر، لا يهتم الكثيرون بموضوع السماء والجحيم، فالإنسان يعيش ويعمل ويلهو ويستمتع حتى ينتهي ويموت. ثقافة عدمية وحياة تنتهي مع آخر أنفاس الإنسان. لا مكان للسماء او للجحيم بل الفناء او الموت او النهاية اليائسة.
اما رأي لويس في السماء ونظرته لها من خلال كتاباته، فيشرح لويس إن محور السما هو المسيح. فليس السماء من وجهة نظره مكانا للوصول بل حياة جديدة محورها المسيح. للآسف الكثيرمن المؤمنين لا يرون الأمر كذلك، والمحزن أن الكثيرين يرون في السماء الهدف النهائي للحياة الروحية وكأن الهدف أن يصلوا السماء. فتجدهم يصلون ويتكلمون بل ويعظون عن السماء والوصول الي السماء كما يختبأ الطفل الذي يلعب مع أصدقائه لعبة الغميضة، فمن يفوز هو من استطاع الاختباء في السماء!! وكأن الهدف والخلاص هو الوصول لحسن الختام في السماء، فتجدهم يكررون كثيرا "عاوز اروح السما"، قمة في القصور الفكري الروحي وذلك لغياب المسيح عن المشهد.
لقد صنع لويس فارقا ضخما في حياة الكثيرين، فقد أنار الطريق لأجيال كثيرة، أدت كتاباته إلى اكتشاف كنوزا روحيا مكنونة في الأدب والفلسفة واستخدامهما كأدوات للتشكيل الفكري الروحي.
عزيزي القاريء، كل ما احاول جاهدا أن أقدمه لك في هذا المقال هو عبارة عن مفتاح للخروج من قمقم الاحادية الفكرية. فبعض الناس لا تقرأ إلا لأشخاص بعينهم ولا تقبل التغيير او الانفتاح على الآخرين وذلك إما بحجة ضعف مستوى الآخر لأنهم يعتقدون في ذواتهم انهم يملكون وحدهم الحق المطلق او بسبب الطاعة العمياء لقادتهم الذين ينهونهم عن القراءة لمن يختلفون فكريا او روحيا او طائفيا بحجة الهرطقة وفساد التعليم.
حقا انه امر محزن اننا وصلنا لهذا السجن الفكري، أن من يملك الحق المطلق لا يوجد الا في الأحلام والأمنيات. لا يملك أحد الحق المطلق لأنه لا يوجد حق مطلق الا شخص يسوع المسيح فقط. اما هؤلاء وغيرهم فالحق في اقصاه هو حق نسبي وليس مطلقا. اما الفريق الآخر أي من يحرضون على عدم القراءة لمن يختلفون معهم بحجة فساد التعليم وينهون عن الاضطلاع على أعمالهم وإنتاجهم، فهذه صورة من صور الضعف والخوف، فهؤلاء يريدون اتباعا وليس أفرادا يحبون الرب بعقولهم وقلوبهم.
دعني أفكر معك صديقي القارئ، ألا يسكن فينا الروح القدس الذي هو روح الحكمة والتمييز؟ كذلك أليست كلمة الله هي المعيار والمقياس الذي نقيس به وعليه كل تعليم؟ وهذا الكنز الذي يسمي بالعقل والذي وضعه الله بداخلنا لكي نستخدمه، ألا يأتي دوره لتحليل ما نقرأ وما نسمع؟ لقد حان الوقت لتغيير الذهن واعادة تشكيل العقل القبطي واستخدامه بشكل أعمق وأكثر، للخروج من قمقم الأحادية الفكرية والعقائد الموروثة وعبودية الأشخاص والطاعة العمياء لهؤلاء الذين يأسرون العقول بحجة الدفاع عن الإيمان واستقامة التعليم، ولكنه في واقع الأمر هو قلق هؤلاء القادة، فكما قال أحدهم إن استخدام العقل يزعج السلطات الدينية.