A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

خواطر مسافر إلى النور (٢٢٣)

بين العقيدة Dogma والشريعة LAW من وجهة النظر المسيحية الأرثوذكسية

العقيدة Dogma

” العقيــدة “ في الأصــل اليونــاني للكلمة هي Dogma وقــد وردت في ســفر أعمـال الرسـل (١٦: ٤) ”وإذ كانوا يجتازون في المدن كانوا يسلمون القضايا التي حكم بها الرسل ... ليحفظوها“. وهـو مـا يعـني قـرار مجمـع الرسـل.

كمـا وردت في (أفسـس١٥:٢)، وتعني الوصايا. والعقيــدة هــي التعلـــيم الثابــت المسَــلَّم. وأيضـــاً تعني إيمان الكنيسة. وقد ُوصِفت فرائض الشـريعة القديمـة بأنهـا Dogma كولوسـي ٢: ١٤

والجدير بالذِكر أن التعلـــيم العقيـــدي الخـــاص بالإيمـــان كان أساساً هو مادة العبادة إذ كان يُرتَّل في صلوات الكنيســـة. وهو الذي حفظ الإيمان عندما تغرب الأقباط عن عقيدتهم المكتوبة بسبب تغربهم عن اللغة القبطية واليونانية بعد انشقاق خلقيدونية والغزو العربي.

ولعل أفضل تعريف للعقيدة المسـيحية هـو أن "العقيـدة المسـيحية مجموعـة علاقـات“، وليســت تـــأملاً في أفكــار أو نشـــاطاً ذهنياً. فالعقيدة هــي علاقـــة حيــاة بــين أشـــخاص أحيــاء. العقيدة هـي علاقـة بـين الله والإنسـان، وبـين الإنسـان وغـيره مـن البشـر وسـائر المخلوقــات.

العقيدة المسيحية هي علاقــة بــين الأصــل والصــورة، حيث الله هو الأصل والإنسان هو الصورة.

والعقيدة المسيحية نشأت على أساسين:

أولاً - إعلان الله عن نفسه.

ثانياً - وجــود علاقــة كيانيــة بــين الإنســان والله، ولقد أعلن الله عن نفسـه في إطـار إمكانيـات الإنسـان الـتي أودعهـا الله فيـه :

صورة الله المخلوق عليها الإنسان + العقل الإنساني + وأخيرا سكني الروح القدس في قلب الإنسان (سر المسحة المقدسة التي ينالها المسيحي).

فهدف إعلان الله عن نفسه هو أن يرفع الإنسان ويقوده مباشرة إلى حياة شركة مع الله.

إن إعــلان الله عــن نفســه هــو أصــلاً أســاس العقيــدة الدينيــة في كــل الــديانات.

ذلـك أن الــديانات مهمـا اختلفــت تتفـق علــى حقيقـة مؤكــدة وهـي أن ”الإلــه يكشـف عــن ذاته“. وقد يكتفي دينٌ مـا بـالكلام عـن فـرائض الله وأحكامـه، ويـرفض تمامـاً الكـلام عـن أي ظهـورات أو إعلانـات إلهيـة. فـبعض الأديـان تـرفض الكـلام عـن ذات الله. وغالبـاً مـا يـدور البحث فيها عن الشريعة. فيصبح الدين فرائض/ قوانين منسوبة إلي الله مُعلَنة في كتاب ويُكلَّف الإنسان بها.

لــذلك علينــا ونحــن نــدرس ديانــات العــالم أن نؤكد حقيقــة هامــة أن الموقـــف المســـيحي الواضـــح في مجـــال العقيـــدة هـــو أنها العلاقـــة بـــين الله والإنســـان، وهـــي علاقـــة قائمة على أساس أن الله يكشف ذاته من خلال علاقة شخصية.

فالإنســان موجــود لا لكـي يعبــد الله، وإنمـا لكــي يعــرف الله. وبالتالي فالإعــلان عــن ذات الله هــو ســبب وجــود الإنسـان في الـدنيا: ”لم تكن أنت المحتـاج إلى عبـوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك“ (من صلوات القـداس القبطي).

إن حاجة الإنسان إلى ربوبية الخالق: هـي حاجـة أصيلة في الإنسـان، تجعـل الإنسـان قـادراً علـى أن يتعـرف علـى الله لكـي يـتمكن مـن أن يشـترك في الحيـاة الإلهيـة، بالقـدر الـذي يســاعده عليــه كيانــه كمخلــوق.

وفي ذات الوقت فإن الله يحفـظ الفواصـل الـتي تفصـل بينـه وبـين الإنسـان. فعنـدما يعلـن الله عـن ذاتـه، فهــذا الإعــلان لا يلغــي الفــوارق بــين الخــالق والمخلــوق.

إن تعليم المسيحية الواضح يميزها عن ديانات العالم. وهو يعتمد بشكل أساسـي علـى أن الإنسان قادٌر بحكم تكوينه علـى استيعاب الإعلانـات الإلهيـة وإدراكهـا. ويُعـبِّر القـداس القبطي عن هذه الحقيقة بقوله: "أعطيتني علم معرفتك“ .

فإن عِلم معرفـة الله أو عِلم اللاهـوت هـو اختبار شخصي وليس مجرد عِلم وتخصص. فيه يتــذوق الإنســان كيــف تــدخل معرفــة الله في حيــاة الإنســان وتُغـيِّر مــن تكــوين الإنســان الــداخلي، وتؤهلــه لكــي يتــذوق الشــركة مــع الله: ”و نحــن جميعــاً ناظرين مجــد الـرب بِوجـه مكشـوف ، كمـا ِفي ِمـرآةٍ، نـتـغيــر إلى تِلـك الصـورةِ عينِهـا، مِـن مجـد إلى مجـد، كمـا مِـن الرب الروح“ (٢كورنثوس ٣: ١٨).

لقــــد خلـــــق الله الإنســــان علـــــى صــــورته (تكـــــوين ١: ٢٦ - ٢٧) لكــــي يـتمكن الإنسـان مـن أن يـنعم برؤيـة الله ومعرفتـه. ولكـن هـذا التـنعم برؤيـة الله قـائم بشـكل أساسـي علــى اقتراب الله مــن الإنســان. فإن الله هــو الــذي يســعى. أي أن الله هو الذي يفتقد الإنسان الذي تغرب عنه. ولــذلك لا تَعــرِف المســيحية شــقاء وشــك رحلــة التصوُّف وتعبهــا؛ لأن شــقاء وتعــب رحلــة التصوُّف يتعــارض بشــكل جــذري مع الإيمان بالنعمة.

لقد اعتبر القديس هيلاريون (من القرن الرابع) أن تقنين الايمان المسيحي “خطية" أي اقتراف للمحرمات. والقديس بهذا يؤكد على خطورة تحويل المسيحية لمجموعة عقائد. بل وأكثر من هذا، فقد اعتبر إن وضع الإيمانيات المسيحية في صيغ عقيدية واحدة مِن" خطايا" المسيحيين الأوائل التي توارثناها.

فالذي حدث أن الذين قاوموا الإيمان المسيحي فكرياً في صدر المسيحية، أجبروا المسيحيين أن ينقلوا الإيمان المسيحي من نطاق التطبيق العملي الذي هو الهدف الأصلي للإيمان، إلى نطاق التنظير الفكري وفخ وصف الأسرار الإيمانية بصيغ عقائدية فكرية لفظية منطقية.

هذا شوَّه الغاية من الايمانيات المسيحية وأفقدها هدفها الجوهري وهو حياة الشركة في الله الغير محدود أو مفحوص، وأخضع حياة الشركة الإلهية لقوالب نصية جامدة (غير ديناميكية).

هذا وبالإضافة الي قصور اللغة وقصور المنطق البشري، فكانت النتيجة تعريض المسيحية لشبهة التناقضات والمعضلات والمغالطات التي لا مفر منها بسبب هذا القصور، بدلاً من أن تظل المسيحية حية مُحيِّية في عِشرة اختبار إلهي. فمكتوب أن ”العلم ينفخ“ … وبالتالي يُفرِّق ” الحرف يقتل .. أما الروح يُحي“.

هذا عن العقيدة Dogma، فماذا عن الشريعة Law ؟

نأتي للمرحلة التالية وهي استقراء رجال الدين لقوانين/ شريعة/ Law بتأويل العقيدة المكتوبة والمثال لذلك ما حدث في القرون الحديثة من تحديد الأسرار الكنسية بعدد محدد انتهي إلى أن يكون سبعة أسرار. إن تعليم المسيح عن الأسرار المسيحية أنها عمل مستيكي خفي للروح القدس في الإنسان والكنيسة ”يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتي أختمر الجميع“ (مت 33:13) . وأيضاً في حديث الرب لنيقوديموس عن عمل الروح القدس الخفي في سر الخليقة الجديدة للإنسان المسيحي "الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح" (يو 3: 8). وأيضاً يقول الكتاب ”لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح“ (يو ٣٤:٣).

يتضح إذن أن الأسرار الكنسية كما يعبِّر عنها الكتاب غير محدودة لأنها سر المسيح الذي هو سر الكنيسة: «هذا السرُّ عظيمٌ، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة» (أف 5: 32). لا يمكن حصرها في عدد معين، لأن ذلك تحديد للوجود الإلهي ونطاقه الفعال في حياتنا. إذ أن الأسرار في الأرثوذكسية هي الوجود الإلهي الحي في نطاقنا البشري. فالأسرار هي حياة شركة محيية في الوجود الإلهي.

وهناك أقوال للرب ذات دلالة قوية تشير إلى ديناميكية الإيمان المسيحي. فبالرغم من أن الحق الإلهي ثابت، إلا أن الرب يعتبر وبشدة أن أحوال الإنسان تتغير بتغير الزمن وكيف أن الرب يحرص أن يتلاقى مع البشرية في تغيراتها بالزمن حتى ولو كان من أجل خروف واحد من الرعية:

"ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق، لأن الملء يأخذ من الثوب، فيصير الخرق أردأ."(مت 9: 16). "وليس أحد يجعل خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة»." (مر 2: 22).

فالرب لم يأت بورقة وقلم وكتب عقائد وقوانين لتكون في صدر كل إنجيل. بل المسيح أتي بدستور معاش وليس بقانون مكتوب غير قابل للنقاش.

وعلي سبيل المثال فإن المحبة دستور مطلق غير محدود لأن ”الله محبة“ . هذا الدستور قدمه الله لنا معاشاً حياً مُحيِّياً في سر الخلق والخلاص. أما تطبيق المحبة فإنه يضيق ويتسع بحسب سعة ونمو كل أنسان في المسيح.

إن العقيدة وبالتالي الشريعة هي أساساً للإنسان، ”السّبت جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السّبت“ ( مر٢٧:٢). فلماذا نتخلى عن المطلق من أجل المحدود. نهمل احتياجات الكنيسة والمؤمنين في العصر الحديث لكي نحبس أنفسنا فقط في حروف ونصوص موضوعة لإنسان ظروفه كانت مختلفة منذ ١٧ قرن من الزمان، حين كانت تناسبه وكان يفهمها ويستخدمها للتعبير عن الحقائق الإلهية الغير متغيرة والمحيية في كل زمان ومكان. فالحق الإلهي يفوق ويتجاوز الحرف والنص. إن رؤساء لكنائس ونفر من المسيحيين نجدهم لا زالوا مشغولين بخناقات عفا عليها الزمن ومصطلحاتها لم تعد حية. فلا زال الخلاف قائم علي طبيعة المسيح ”طبيعتين أو طبيعة واحدة“ بينما نحن الآن قد فقدنا المعنى الاصطلاحي الهيلينستي اليوناني لمفهوم ” الطبيعة .. برسبون .. أوسيا “، ولم يبقي لدي الشعب المحب للمسيح إلا المفهوم الإنساني المعاصر وليس طبيعة / برسبون / اوسيا، بل يتخطاهم راجعاً إلي زمان المسيح أثناء تجسده حين لم توجد هذه المصطلحات بل شخص المسيح وحده، والذي إذ رآه زكا العشار نزل من فوق الشجرة وشطب كل زمانه الماضي بكل ما جمع فيه من ثروة مال وتبع المسيح وصار متي تلميذ المسيح. فلم يحتاج أن يتصارع مع رفقائه من تلاميذ المسيح أخوته على تعريف لطبيعة المسيح وما هو المصطلح السليم الذي له دقة التعبير عن الحقيقة الإلهية في التجسد ليتمسك به ومن ثمَّة يتقاتل مع بقية التلاميذ عليه.

إن العقيدة / الدوغما، والشريعة / القانون صارت وثن جديد. وثن فكري وليس حجري، جعله رجال الدين ضرورة تستوجب أن يركع المؤمن لها ويسبح متجاوزا شخص المسيح والعلاقة السرية بالروح القدس معه. بل وصل الأمر ببعض رجال الدين إلي لهوتت الاختلاف الحضاري بين الشعوب المسيحية فأصبح خلاف لاهوتي بينما هو خلاف حضاري. فصار عقبة أمام وحدة الكنيسة المسيحية في العالم.

إن كلام المسيح له المجد في أنجيل متي ٢٣ هو تأكيد وأصل للمكتوب في هذه المقالة من أن التقاتل على العقيدة والشريعة لم يعد خلافات بل تخلفات "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الناموس (أصل العقيدة والشريعة): الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك… أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.“.. والسُبح لله