حينما يحكم الأغبياء الدولة المدنية.. ”تعيش انت يا حاج”!! الرجل الذي حرك ... إن لم يكن جنن العالم.. الرئيس ”ترامب” خد في وشه وقال مهاجر ملخص رحلة السائح ف مصر ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (4) هل لابد أن يرتبط مستقبل مصر بمستقبل ”الخونة”؟‎ وسائِط التواصُل وفوضى المُحتوى! اضطراب التكدس القهري كندا ترحب بالبطل ”رامبو”!! رومية ٨: لماذا ظهر الله في الجسد بتجسد المسيح؟ أشهى وأحلى من العسل

”العلم”.. أم.. ”الإيمان”

الإنسان عالم صغير فهو المكان الذي فيه تتحد معا الخلائق المنظورة وغير المنظورة، الخلائق المادية وغير المادية. فالإنسان هو همزة الوصل بين العالمين المادي والروحي. أن كل ما خلقه الله كان حسنا، أما الإنسان، فرأي الله انه حسن جدا (تكوين ١: ٣١). فهو المخلوق الوحيد الذي خلق على صورة الله ومثاله (تكوين ١: ٢٦). لأهمية هذا المخلوق الفريد، تخصص بعض لاهوتي الشرق والغرب في دراسة هذا المخلوق الرائع، وهو ما يسمي بعلم الأنثروبولوجيا.

فيقول الكتاب المقدس: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض." (تك: ١: ٢٦).

إن استخدام لفظ الجمع هنا ليس للتعظيم، فاللغة العبرية لا تستخدم الجمع للتعظيم مثل اللغة العربية. بل الجمع هنا لاشتراك الثالوث في خلق الإنسان. وهذا الإنسان هو نتيجة حوار ثالوثي تم بين أقانيم الثالوث القدوس!! يقول في هذا الصدد، ق.يوحنا ذهبي الفم : "إن الله ضمن مشروعه الاسخاتولوجي أراد أن يختلف الإنسان عن باقي الخليقة وهذا يبدو واضحاً في سفر التكوين أن كل الأشياء الأخرى قد صارت بأمر واحد من الله. لتكن سماء، ليكن نور… ولكن عندما يصل إلى خلق الإنسان يقول الله: "لنصنعنّ الإنسان" وكأنه يتشاور مع أشخاص آخرين لهم نفس الكرامة الإلهية.

والسؤال هنا، يا تري من هم هؤلاء الأشخاص الأخرين الذين لهم نفس الكرامة الإلهية؟ يجيب القديس باسيليوس الكبير، في عظته حول أصل الإنسان قائلا: "إن الله قال لنصنع ولم يقل لأصنع ويتضح من هذا أن الثالوث كله اشترك في خلق الإنسان، وعندما قال الكتاب "وخلق الله الإنسان" دلّ بذلك على وحدة الألوهة رغم وجود ثلاثة أشخاص (أقانيم) فهناك قوة فاعلة واحدة تجمع بينهم وتحملك إلى عبادة إله واحد لكنه في ثلاثة أقانيم"، ولئلا يتوه البعض فكلمة "أشخاص" هنا المقصود بهم الأقانيم. فالتعريف السليم لكلمة أقنوم هو: ما يقوم فيه أو ما يقوم عليه الجوهر الإلهي.

فالإنسان له نكهة وميزة عن باقي المخلوقات، هذه المسحة هي طابع الصورة الإلهية فيه. وعن هذه الصورة الإلهية، يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: "هذه النسمة هي من روح الله، وهذه النعمة الإلهية الخاصة بالإنسان يسميهما جزءاً من الألوهة. أو تدفقاً من اللاهوت غير المنظور. أي الإنسان منذ خلقه يحمل الله في قلبه ويحافظ عليه حتى يستقر أخيراً هو في قلب الله، ولكن كون الإنسان يملك جزءاً إلهياً فهذا لا يعني أنه قطعة من جوهر الله، الفرق بينه وبين الله أن الإله غير مخلوق أما الإنسان فموجود بالخلق."

ما أبدع أعمالك يا الله، ما أرقي ما صنعته يديك!! هل تدرك هذا عزيزي القارئ؟ أن الإنسان يلهث ويجري هنا وهناك بحثا عن قيمته، وبحثا عن إثبات ذاته، متناسيا ومتجاهلا أن القيمة الحقيقية للإنسان ليست فيما يصنعه، بل فيما صنع لأجله.

لقد وهب الله العقل لهذا الإنسان وهذا العقل في حاجة دائمة لما يشبعه، وأكثر ما يشبع هذا العقل هو العلم. نعم العلم الذي للأسف أصبح هذه الأيام سجينا في قفص الاتهام. لماذا يعتمد البعض على إهانة العلم مرددين كالببغاوات "إن المهم فقط هو قلب الإنسان مع الله؟" لماذا يتعمد الكثير من الأشخاص على الاستهزاء بالعلم بحجة إن البسطاء هم من يتسللون إلى ملكوت السموات!

الويل والشقاء لكل من يحاول أن يقترب إلى منطقة التفكير النقدي في مناقشة المسلمات. ومن يحاول الاقتراب يتهم بالهرطقة والانحراف العقيدي. كفانا سطحية بحجة البساطة. كفانا جهلا بحجة أن الإيمان هو سيد الموقف. لقد أصبح غالبية الشعب في غيبية تامة، وأصبحت المسيحية بالنسبة للبعض مجرد ممارسات طقسية فقط، فتبني البعض ذهنية الطقوس، فمن ناحية أنتجت لنا هذه الذهنية العنف وعدم قبول الآخر، ومن ناحية أخرى تمكن الجهل من الكثيرين حتى أصبحوا في موقف المستعد لمحاربة من يفكر أن يرتقي بمستوى التعليم الكنسي مستخدما الاستراتيجيات الحديثة في التعليم كالتفكير النقدي أو حتى البحث في جذور المسلمات أو العقائد الموروثة. إننا حقا في زمن عجيب، فيه يسخر الجاهل من المثقف أو المتعلم بل ويتهمه بأقسى أنواع الاتهامات وهي انه يفكر ويحلل ويلهث وراء العلم متناسيا أن المهم هو القلب فقط، وليس القلب والعقل معا وكأنه لا وجود للعقل في حياة الإنسان المؤمن!!

عزيزي القارئ، فلنطلق سراح العلم من سجون الغيبيات ومن غياهب العقائد الموروثة التي تتخيل أن العلم يتعارض مع بساطة الإيمان. لقد استخدم الكتاب المقدس العلم حين قال المرنم: "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مز ١٩: ١). إننا أمام وصية بل مسؤولية الإجابة عن أي سؤال نتعرض له (١بط ٣: ١٥). نحن لا ننكر عمل الروح فينا وفيضه علينا ولكن فلنحذر إننا أمام وزنة تسمي العلم، وسيسألنا الله عنها في اليوم الأخير. وإن لم نتاجر بها بل ونربح أيضا، حينئذ سنجر أذيال الخيبة، وسنعلن فشلنا إننا لم نتمكن حتى من مجاوبة طفلا.